Pages

الجمعة، 13 ماي 2011

الوزير وابنه

كنت منحدرا من محطة القطارأغد السيرفي اتجاه البرلمان ، إذا بي أسمع جلبة فرنوت ،فرأيت حشدا من الناس متحلقا حول شئ ما ،فحثثت خطاي مسرعا ، فلما دنوت منهم، بدت حالة من القلق والحيرة مستبدة بالناس ،لكن تجاهلت الامر ، وقلت في نفسي لا جديد ، ربما هي حادثة سير بسيطة ، والناس هنا لا يكفون عن الفضول والتطفل ، وأدنى حركة يمكن أن تجمعهم ،وهم لايترددون في أن يجعلوا من الحبة قبة …لكن غيرت رأيي لما تناهت الى سمعي عبارات الشجب والانكار …حيث فهمت ان هناك أمراغير عادي استجلب كل هذا الغضب والسخط …
- «اللهم إن هذا منكر »
- «ماذا هنالك ؟ »سؤالي لشاب قد امتلأ غضبا وحنقا
- «انظر إلى هذا الفتى المغرور كيف يتجاهل الجميع »
- «كيف ذلك ؟»
- «إنه لم يكتف بإشهار السلاح الابيض في جه الشاب الذي صدم سيارته ، حتى جعل يهدد الشرطة ويتوعدها ، عندما طلبت منه أن يمتثل للقوانين الجاري بها العمل وراح يردد تلك اللازمة البغيضة الاثيرة لهذه الفصيلة من المغاربة (يبدو أنكم لاتعرفونني……) »
- «أين هو الان؟»
فلما أشار إليه، رأيت شابا بالكاد شب عن الطوق واقفا بعنجهية بجنب الشرطة التي يحتقرها يحتمي بها من الجماهير الهائجة الناقمة على هذا السلوك الاستخفافي ، كان واقفا يتحدث في الهاتف مع أحدهم ينفذ تهديده بلا شك….
وما هي إلا لحظات ، حتى أطلت علينا سيارة فخمة فارهة لا تماثلها إلا سيارة صاحبنا ، فاشرأبت الأعناق ،وتطلعت العيون، واستبشر الناس خيرا اعتقادا منهم أن القادم من الكبار الذين بمقدورهم وضع حد لاستفزازات هذا الصبي …
انفتح باب السيارة ، وبان الرجل بجثته كاملة ، وكان كما توقع الناس ، من علية القوم دل على ذلك لباسه الأنيق ومظهره المهيب ونظراته الحادة وعبوسة وجهه …..
أما أنا فقد عرفته ، عرفت أنه وزير في الحكومة الحالية ، إنه هو بلحمه وعظمه بشاربه الخفيف وصلعته الذي أكلت ثلث رأسه ، فتساءلت ما الذي جاء به إلى هنا و مهمته الأساسية هي أن يرابط أمام ميكرفون الحكومة ؟!
ولما عجزت عن إيجاد تفسير لهذه الخفة في الحضور لرجل مهم ولا تربطه أي علاقة مهنية بالحادث تركت الإجابة للزمن ….
الناس منصرفة عن الحدث إلى الرجل الأنيق ، تتابع خطواته وهو يمشي متبخترا يشمخ بأنفه والطريق يفسح له…
عناصر الشرطة ،قد داخلها الخوف ، فامتقع وجهها ، وانقبضت نفسها لا تدري ما يكو ن مصيرها بين يدي هذا القادم من الرباط ،فهي تنتظر كباقي الناس ؟…أو ل شئ فعله لما واجه الشرطة ، أنه ثبت واقفا وقفة استعلاء واستخفاف ، ثم أنشا يوزع عليهم نظرات ملأى بالازدراء والاحتقار، فتشعر بهم من وقعها كأنهم يتعرضون لوابل من البصاق… كان يعلم أنها ستفي بالغرض ، لذلك لم يتكلم ، ولو تكلم لقال :الم يكن بوسعكم أن تعرفوا أنه من عشيرتي من اسمه العائلي ، ولكنكم أغبياء وأنذال؟ …تبا لكم من شرطة بئيسة….

«انه مغرور ولا يبالي بأحد . لقد تجاوز كل الحدود . ناقص تربية وخلق . ينبغي أن يعاقب… »وتوالت صرخات الناس تشير عليه أن يأخذ على يده بقوة…لكن شيئا من ذلك لم يحدث ….

ساعتها تهامس الناس ،إنه وزير ، وذاك ابنه بلا شك وإنما جاء ليخلصه من هذه الورطة…فتنادوا : «ألا تدعوهما يفلتان… » فتعالت الصيحات «…يا خائن سير فحالك الوزارة ماشي ديالك….. »
التفت إلي رجل وقال : «ما بال هؤلاء القوم لا يخجلون من أنفسهم ، يتحدثون عن الحق القانون في الصباح ، ويدوسونه بأقدامهم الثقيلة في المساء….أما يتأثرون حين يرون رئيس أقوى دولة في العالم ، يقف وهو صاغر أمام المحكمة كأي مواطن بسيط…أم لم يطلعوا على تاريخنا فيتأثروا برجل مثل عمربن الخطاب وعمربن عبدالعزيزويوسف بن تاشفين رضوان الله عليهم ….ما بال الوزير نسي تلك المقولة التي يرددها حيثما وجد ميكروفونا دولة الحق والقانون؟!….»
قال رجل كان قدأرهف السمع إلينا : «إنه زمن التافهين والانتهازيين …. »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق