Pages

الأربعاء، 29 فبراير 2012

على هامش مسيرة البيضاء... المخزن هو هو...







للحق والحقيققة، العدل والاحسان كانت أول هيئة  دعت للمسيرة الشعبية المساندة للشعب السوري الذي يتعرض للتقتيل والتنكيل على يد النظام البعثي المقيت، ثم دخلت على الخط أحزاب وهيئات أخرى ، حتى الان الامر عادي جدا مادامت القضية تهم الجميع ومادامت الجماعة قد وجهت الدعوة لكل أبناء الشعب المغربي.
لكن ما إن تناهى إلى سمعي نزول المقدمين والشيوخ إلى الاحياء بأساليبهم المعروفة وتقاليدهم العريقة ، وانخراط القنوات الرسمية في التعبئة    
والترويج للمسيرة ، حتى داخلني الشك ولفتني حيرة شديدة تجاه هذه "الحركة"المريبة للداخلية وشركائها في الاعلام والمجتمع المدني .
لم تدم هذه الحيرة طويلا ، ذلك أنها تبددت يوم المسيرة إذ رأيت كيف جئ بأقوام وكائنات شبيهة بتلك التي زفت الدستور الاخير ب"الزطلة والفنيد" و"الزطوروطوا" التي كانت ترد علينا حينما نصرخ ليسقط الفساد والاستباد ب" عاش الملك".... 
وهكذا فهمت أشياء كثيرة :
أولها أن دار لقمان لاتزال على حالها أي أن المخزن بخير وأنه هو الدولة الحقيقية  والفعلية بينما الحكومة الحالية تلعب دور الكومبارس -مثل سابقاتها- في فيلم ردئ ، ومن قل العكس فليفسر لي مشكورا، استمرار نفس منطق الاشتغال القديم في التعبئة والتجييش،  دون أن ينسى تفسير كيف توافقت احتجاجات أصحاب الديبناج مع هذه المسيرة  ؟...
ثانيها أن الدولة لم تكن تسعى قط الى التصامن مع سوريا، والدليل أن كل المحسوبين عليها كانو يرفعون صور الملك وهم يهتفون بحياته ويرددون " لادجاج لا بيبي الملك هو حبيبي"، بل كانت اتسعى إلى إفشالها وتمييعها، حتى لا تحسب لصالح الجماعة عدوها اللدود. 
ثالثها أن المخزن فقد المبادرة على مستوى الشارع، وأصبح كل همه هو التشويش والمشاغبة ...بالمقابل أصبحت الجماعة هي صاحبة المبادرة والقدرة على التنظيم والتسيير.     

الاثنين، 27 فبراير 2012

باباعمرو والبقية





هي مدن أو هي أشبه بمدن أوعبارة عن أحياء كبيرة ....مجهولة، مهمشة، تعيش حالة من العزلة القاتلة منذ زمن بعيد ،لا أحد يذكرها بخير إن لم يذكرها بشر ، لكنها في لحظة أصبحت أشهر من نار على علم، ليس على المستوى القطري فحسب ، بل حتى على المستوى الدولي...
على رأس هذه المدن مدينة "سيدي بوزيد" التونسية التي انطلقت منها شرارة الكرامة الاولى...فأحرقت اليابس والاخضر حيث قضت على دولة بوليسية مقيتة،أو على رأسها على الاقل على أمل القضاء عليها نهائيا ....
من بعدها أخذت أخواتها المشعل ، وهكذا برزت السويس بمصر التي دفغت الثورة المصرية خطوات إلى الامام، بفضل جرأة بنيها وتضحياتهم الجسام ، فرغم أن ميدان التحرير كان ولا يزال رمز الثورة المصرية ، فإن السويس هي التي أشعلت فتيلها ونفخت فيها الروح في لحظات حاسمة.
وكذلك كان الامر مع مصراتة الليبية التي استبسلت في وجه الة القمع القذافية استبسالا معجزا


وفي اليمن اكتشف الجميع مدينة اسمها تعز بصمود شبابها واعتصاماتهم الاسطورية، وتجملهم بالصبر الجميل رغم كل ما فعلهم بهم العبد الطالح وعسكره....
وهاهو بابا عمرو الحي الذي سيخلده التاريخ بحمص  الابية ، يمشي على هدى أخواته ، وهو يرسم ملامح مستقبل زاهر بدون ال الاسد الذين طغوا في البلاد وعاثوا فيها فسادا منذ وضعوا يدهم على الحكم ...بابا عمروا يتعرض لقصف كثيف واقتحام للبيوت وترويع للاهالي، ناهيك عن القناصة الكامنين في السطوح الذين يطلقون النار بجنون على أدنى حركة مشبوهة.... 
إنه الزمن العربي البئيس،حيث تضطر بلدات ومدن بكاملها للتضحية  بكثير من الدماء الممزوجة بالاحزان والاوجاع ، كي تعلن عن نفسهاـوتلفت النظر إليها وتكتب تاريخها ومستقبلها ومستقبل أمة ظلت تعيش لقرون تحت الوصاية والتبعية والتخلف والفشل الذي تحصده في كل ميدان.


السبت، 25 فبراير 2012

إلى الرميد : بارك الله في أعضائك حيا وميتا

لقد كنت مناضلا جسورا ، شرسا، لا تلين له قناة خلال معاركك الكثيرة التي خضتها ضد الفساد والاستبداد ...  اليوم أ نت في موقع السلطة والقرار ، طبعا ليس كل السلطة ولا كل القرار بيدك ، ومادمت قد رضيت بذلك، فإنك مطالب بإسقاط تلك الاصنام ومن وراءها... التي أهانت الناس واحتوشت الاموال ونهبت الثروات من غير وجه حق .
أيها الوزير إنك أمام الامتحان حيث يعز المرء أو يهان ، فإما أ ن تواصل حروبك "المقدسة" ضد الفاسدين والظالمين التي بدأتها أيام كنت في المعارضة، وإ ما أن تستسلم وترفع الراية البيضاء أمام تلك الكائنات "المفترسة" التي تعرفها جيدا، وقريب من النصر أن تعلن في حالة عجزك عن ذلك صراحة وتستقيل . طبعا لكل موقف من هذه المواقف ثمن .
إن إعلانك تبرعك بأعضائك بعد وفاتك، هو التفاتة إنسانية محمودة منك ، تنسجم مع شخصك ومواقفك وتاريخك، لكن - كما تعرف- فإن المغاربة أكثر ما يهمهم هو استرجاع أعضاء ثمينة وغالية ظلوا يبحثون عنها منذ زمن بعيد ، هذه الاعضاء تعتبر قوام حياة إنسانية كريمة ومحترمة، وهي الحرية والكرامة والعدالة، وسيكونوا  شاكرين لك إذا ساعدتهم على انتزع هذه الحقوق، وسيخلدون ذكراك إلى الابد ...أما الاعضاء الجسدية فهناك أناس كثر مستعدون للتبرع بها .      



الاثنين، 20 فبراير 2012

حتى أنت ياغيريتس

لم يكف غيريتس الفشل الذريع الذي حصده في كأس إفريقيا الاخيرة ، حيث عجز عن التأهل للدور الثاني، رغم أنه يتوفر على مجموعة مرصعة بالنجوم الذين يلعبون لاندية كبيرة بأوربا، ورغم الامكانات الكبيرة التي وضعت تحت تصرفه...لم يكفه هذا الفشل فزاد عليه بعنجهيته وغروره المقرف....ففي حوار له مع "أجوردوي لواروك" لم يتردد في وصف المدربين المغاربة بالفاشلين ، كما هاجم الصحافة  وقال أيضا أنه أن ماحققه مع الفريق الوطني حتى الان هو الانجاز الوحيد اليتيم الذي لم يسبقه إليه أحد - ويظهر أن الرجل يجهل تاريخ الكرة المغربية جهلا مطبقا- وقد نسي أن الزاكي وصل إلى نهاية كأس إفريقيا 2004.... 


لكن الملامة لا تقع على الرجل بقدر ما تقع على هؤلاء التافهين الذين يسيرون شؤون البلد    
لان غيريتس لو أنه عرف أن سيكون لكلامه هذا عواقب وخيمة لما نبس ببنت شفة، أهان سمعة البلد ومرغها في الوحل في المحطة الافريقية ، وكان من المفروض أن يقدم الاستقالة كأي مدرب يحترم نفسه لما عجز عن الوفاء بوعده الذي قطعه على نفسه بمحض إرادته...وهاهو يهين أبناءه  ويتحداهم ، ومعهم الشعب بأكمله...
أعتقد أن الرجل أصبح من فصيلة المقدسين،في هذاالبلد، رغم أنه من الافرنج الذين شنقوا المقدس منذ قرون....كيف لا وقد أصبح راتبه سرا من أسرار الدولة! .... 

الأحد، 19 فبراير 2012

رسالة عاجلة إلى الداعية وجدي غنيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد
سيدي الكريم
 لقد تابعت زيارتكم لتونس ومارافقها من ضجيج ولغط ...وقد كان من الممكن تفادي كل ذلك لو قدرتم الموقف ، واستحضرتم حساسية المرحلة وخصوصية الزمان والمكان ، وفوتم بالتالي الفرصة على أناس يصطادون في الماء العكر ولا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب...
لقد وجهت لكم الدعوة جمعيات سلفية حديثة العهد بالحرية ، بعد سنوات الكبت والحصار التي مارسها بنعلي على عموم الشعب التونسي..
وقد استقبلتكم استقبال الابطال والفاتحين ، وحضرت محاضراتكم جماهير غفيرة ومتحمسة وهي تهتف الله أكبر ... في ظل هذه الاجواء المثيرة أطلقتم كلاما لم  يتحمله الكثير من التونسيين - ومن بينهم الاسلاميين طبعا - لما له من تبعات سياسية وثقافية في دولة عاشت لسنوات طويلة في ظل العلمانية المتطرفة، حتى اكتسبت كثير من تياراتها حساسية مفرطة تجاه الدين
سيدي
تكلمت في أشياء كثيرة متعلقة بالاسلام،لكن للأسف لم تمس روحه ولا مقاصده ولا أولوياته ...تكلمت سيدي عن النقاب وهو مسألة خلافية، وتكلمت عن اللحية وهي مظهر من مظاهر الاسلام وعلى أهميتها تبقى مظهرا فقط ، وضاعت منك الحكمة نهائيا حين تناولت مسألة ختان النساء في بلد مثل تونس له تقاليد وثقافة مغايرة تماما للدول التي تنتشر فيها هذه العادة .
إننا نحفظ لك مواقفك النبيلة والشجاعة تجاه فلسطين وغيرها من قضايا الامة ، وكذا صدعك بالحق في وجه الحكام العرب الطغاة ، في الوقت التي كانت فيه التيارات السلفية التقليدية ، تنعت المطالبين بتغييرهم سلميا بالخوارح ودعاة الفتنة....
سيدي
اعذرني إن قسوت عليك، فلقد أبعدت وأوحشت ، وكان عليك أن تراعي خصوصيات البلد وعلماءه وكباره خاصة وأنك ضيف.

تونس بالكاد تلملم جراحها بعض الثورة المدهشة التي أطاحت بالطاغية بنعلي ، وهي تعاني اليوم من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية، لذلك فهي  تحتاج في هذه المرحلة الحرجة إلى الخطاب الوحدوي الذي يجمع ولا يفرق ويروج للمشترك، كالعدالة والحرية والكرامة ويستدعي أسباب الاستقرار والاستمرار
لقد كنت سيدي في حضرة مفكر إسلامي كبير اسمه راشد الغنوشي ، وهو مؤسس الحركة التي تولت أمر البلد ، وكل الرهان عليها لانقاذه وانتشاله ...وكان عليك أن تراعي هذا الرجل ومدرسته  ومنهجه ، اقتداء بالفقهاء الكبار الذي كانوا يمسكون عن الفتوى عندما يحلون بأرض فيها من هو ند لهم أو من مؤهل لذلك على الاصح.
كنت أتمنى أن ترد على الذين هاجموك بالرحمة الي هي جوهر هذا الدين ولكن للاسف قلت لهم "موتوا بغيظكم " التي هي بعيدة عن هذا الدين .         

السبت، 18 فبراير 2012

المعذبون في الأطلس


نسجا على منوال الكاتب المصري طه حسين ، الذي عنون كتابه القصصي ب" المعذبون في الأرض" وقد قص فيه معاناة المصريين الفقراء والبؤساء والمرضى والمعدمين...  نسجا على منواله عنونت هذا المقال ب "المعذبون في الأطلس"، لما رأيت أن لهم مكانة "محترمة" بين معذبي طه حسين.

لقد توالت التقارير والتحقيقات والصحفية وحتى بعض الروبورتاجات الرسمية ، التي تناولت محن سكان الأطلس المتوسط ، مع الثلوج والبرد والصقيع الذي يضرب هذا المجال المغربي العميق كل سنة ، وقد زادت حدته هذه السنة مع موجة البرد التي تجتاح  المجال المغربي ككل.

وإن كان من فضل لهذه الحالة المناخية الموسمية، فإنه يتجلى في تذكير الناسين أو المتناسين ، أن هناك أقواما منا ويعيشون بيننا ، شاءت لهم الأقدار أن يروا النور في المغرب العميق أو المغرب غير النافع بلغة المستعمر الفرنسي ، يعانون من الإقصاء والتهميش و"الحكرة" ليس فقط في فصل الشتاء والبرد ،وإنما طيلة الفصول الأربعة وعلى  مدار السنة، نظرا لانعدام أدنى ضروريا ت الحياة الإنسانية الكريمة ، حيث تفتقد المنطقة إلى أبسط الخدمات الأساسية والتجهيزات والبنيات التحتية الضرورية ، وحتى إن توفر بعضها، فإنه لا يعدو أن يكون وجوده شكليا، كمدرسة وحيدة معزولة في رأس جبل ، متروك أمرها لضمير أستاذ مغلوب على أمره، أو مستوصف وممرض وحيد لا حيلة له في غياب أدنى الإمكانيات.... هذا في الوضع الطبيعي ، أما  في فصل الشتاء حيث البرد والصقيع، فالحياة تتعطل بشكل كامل.فكل واحد يغلق باب بيته أو باب كوخه على الأصح ، بعد أن يكون قد جمع من حطب التدفئة ما قدر له أن يجمع.

تصور كيف يكون حال امرأة يفاجئها مخاض الوضع في ليلة ليلاء من ليالي يناير أو فبراير ، وهي بين مطرقة ألم الوضع الذي يعصر جسمها النحيف و سندان لسعات البرد الذي يجمد الدم في العروق والثلوج التي تحاصرها من كل اتجاه... زوجها حيران تائه عيناه تدور في محجريهما لا يهتدي إلى مخرج ، وقد ملأ  أنين الزوجة وصراخها المكان ... اسأله عن الدولة أو التنمية أو ما شابه...إن شئت، وستسمع الجواب: "ماعندنا غير الله"
تصور حال طفل يخرج باكرا إلى مدرسة بعيدة جدا، وهو يمشي وحيدا كأي جندي مخذول.. بالكاد يحمل رجليه ، يحذر أن تخذله إحداهما فينزلق، بينما هو ينتقل من مسلك وعر إلى من هو أشد منه وعورة......
 تصور حال فتاة لم يتجاوز عمرها 16 سنة ، قد تزوجت وأنجبت، وانتهى الأمر، وهي الآن منهمكة في عملها، تجلب الماء أو الحطب من مكان بعيد،وتحمل طفلا على ظهرها وتجر آخر...
إن الناظر في حال هؤلاء، من ناحية ملبسهم ومأكلهم ومشربهم ونمط حياتهم ، لن يتردد لحظة في اعتبارهم بقية من بقايا مونوغرافيات المغرب القرن 19 الذي وصفه الرحالة والمغامرين الأوربيين في إطار عملية استكشافهم له تمهيدا لاحتلاله.

هذا هو حال جزء مهم من مغرب القرن 21 ، مغرب المهرجانات التي لا تنتهي إلا لتبدأ، والمناسبات الكبيرة والضخمة حيث الأموال تصرف بسخاء على فنانين تافهين
يحسنون كل شئ إلا الفن...كما تصرف على محطات سياسية مزيفة...مغرب يعجز عن كشف راتب خيالي لمدرب كرة قدم فاشل !...
هذا هو الأطلس الذي لا يتذكره أحد إلا في معرض الحديث عن تنوع وغنى المغرب التراثي والفولكلوري....أو أثناء الحملات الانتخابية ، حيث يستعيد تجار السياسة نفاقهم عفوا نشاطهم، فتسرج لهم الحمير والبغال، فيطوفون على المساكن المتناثرة في الجبال والسهول ، وبعدما يوزعون على البسطاء ابتسامات النفاق والشقاق، ويغدقون عليهم بالوعود والأماني... يعودون أدراجهم إلى أحيائهم الراقية و فيلاتهم الفخمة ، ولا يحتفظون بشئ من تلك الذكرى غير الصور التي التقطوها مع "المخلوقات العجيبة" من أجل التسلية وربما للتباهي بها أمام الأصدقاء والأعداء بصفتهم مناضلين حقيقيين، استطاعوا الوصول ذات يوم إلى عمق المغرب غير النافع. 
   

  
 
   
  

السبت، 4 فبراير 2012


                                  محمد رسول الله


أهلت علينا الذكرى العطرة، ذكرى ولادة خير الانام ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وإخوانه وحزبه ، حيث عبق النبوة والرسالة والسيرة العامرة بمواقفه ورحمته وشخصه الكريم الذي كان يملأ المكان بالنور والهداية...صلوات ربي وسلامه عليه ....أسال الله عز جل أن يجعلنا من إخوانه في الدنيا، ومن جلسائه في الاخرة. امين

"تازة قبل غزة في القمع"


هذا العنوان استعرته من أحد المحتجين الذي كتبه على  ملصق صغير، ساخرا سخرية سوداء من  أصحاب مقولة "تازة قبل غزة " التي روجت لها جهات نافذة في الدولة، ردا على الحراك الشعبي المغربي المساند للقصية الفلسطسينية بصفة عامة وقطاع غزة بصفة خاصة، الذي كان يتعرض وما يزال للحصار والدمار، من طرف الكيان الصهيوني ومن والاه من الإخوة والأعداء.

تازة تنتمي الى المغرب العميق أو المغرب غير النافع بلغة الاستعمار، الذي انسحب عسكريا ، وبقيت سياسته واستراتيجيته راسخة في نفوس خلفائه على أرضنا ، ممن تعلموا في مدارسه وتربوا في أحضانه... يتوارثون وصاياه أبا عن جد وجيلا عن جيل...لذلك نرى هذا التفاوت الجهوي الفظيع : جهات تعرف نوعا ما  حركية اقتصادية واجتماعية، على علاتها وأمراضها المزمنة، وأخرى تعيش في عزلة تامة ، يقتلها التهميش والإقصاء وظلم ذوي القربى ، لا يتذكرها أحد إلا في معرض الحديث عن تنوع المغرب الجغرافي وغناه التراثي والفلكلوري!...

هذا الوضع المزري لم تنفع معه كل إجراءات الدولة والقائمة أساسا على سياسية الترقيع والبريكولاج، وحتى تلك التي  رافقها ضجيج كثير، ولغط إعلامي كبير ،فصورت على أنها  هي الخلاص والمنقذ من هذا الوضع المتأزم ، كما كان الشأن مع سمي بالمبادرة الوطنية للتنمية المباشرة ، فشلت في تحقيق المبتغى، والتي  يمكن أن نقول عنها أنها كانت ثورة في فنجان ، والدليل تذيل المغرب لسلم التصنيف الذي تضعه التقارير الدولية للتنمية البشرية إذا يحتل المغرب الرتبة 15 ضمن 20 دولة عربية مصنفة حسب تقرير 2011 ، وجاء ترتيبه 130 ضمن 181 دولة
وتراجع 16 درجة بالمقارنة مع تقرير 2010.
 
وفشلت هذه المبادرة، ليس فقط لأن مجموعة من لصوص المال العام والانتهازيين اعترضوا طريقها فحولوها لتنمية ثرواتهم الخاصة...ولكن أيضا –وهذا هو الأهم-
لانها كانت جوابا خاطئا عن سؤال المرحلة الذي كان يفرض تغييرا سياسيا حقيقيا ، يقطع مع منطق الوصاية على الشعب ، ويفكك البنية المخزنية القابضة بيد من حديد، على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إن من شأن هذه السياسات الرسمية الممعنة في الإذلال والاهانة و"الحكرة" أن تنتج ردود أفعال متطرفة وراديكالية، تهدد وحدة البلاد واستقرارها وتماسك نسيجها
الاجتماعي ، فأن يقول مسؤول أمني لأبناء تازة "إلى كنتو صحراوة نخدموكم !  "
فهذا معناه حسب الخفي والظاهر من هذا الكلام هو: يا أبناء تازة عليكم أن تكونوا مثل أسيادكم الصحراويين الذين يحملون السلاح و يطالبون بالاستقلال، إذا أردتم أن تلفت إليكم الدولة وتستجيب لمطالبكم الخبزية. وإذا عم هذا المنطق وشاع، فسيصبح
الوطن شذر مذر، في ظل المخزن الضامن لوحدة البلاد والعباد! .
  واليوم بعد أن استحلت القوات المخزنية مدينة تازة ، حيث حاصرت الأحياء واقتحمت البيوت وعبثت بأثاثها واعتقلت أبناءها وطاردت الباقي خارج المدار الحضري إلى الغابات المجاورة.... من حقنا أن نسأل أصحاب مقولة "غزة قبل تازة"
ما مصير هذه الفكرة الخلاقة ؟ وكيف استبدلتم الاهتمام وإعادة الاعتبار بالقمع والحصار؟