Pages

السبت، 16 أبريل 2011

المخزن يصنع أعداءه

المخزن يصنع أعداءه - Hespress
نورالدين لشهب
Sunday, April 10, 2011

"أتعس أنواع السلطة هى التي تفرض عليك أن تذكرها صباح مساء " همنغواي
أثناء زيارة لصديق صحفي بمقر جريدته، وجدت مواطنين مغربيين يشكوان له ما حل لساكنة حي الأندلس بمدينة طنجة، والقصة باختصار شديد كما حكاها أحدهما، هي أن ساكنة الحي (حي الأندلس) اشترت أرضا من الجماعة السلالية أيام الاستعمار الفرنسي بوثائق عدلية، وبعدما تم تفويت هذه الأرض لمجموعة العمران، ومساحتها 158 هكتارا بثمن بخس لا يتعدى 20 درهما للمتر، طلبت منهم السلطات المحلية إخلاء هذه الأرض لمالكها الحقيقي، السكان أصيبوا بصدمة قوية، واحتجوا في الشارع العام، وكاتبوا عدة وزارات، وبعد اتفاق ما بين السلطات دام خمسة أيام، انقلبت عليهم السلطة، وهددهم الأمن بسحقهم إن حاولوا الاحتجاج مرة أخرى، وقضية هؤلاء السكان لا زالت قائمة إلى حدود كتابة هذه الأسطر. ولكن ما أثار انتباهي في كلام المواطنين المتضررين، هي جملة قالها أحد المتضررين " شف أخاي العزيز.. أنا كنت تنشوف شي واحد يحتج وهو طالع لو الدم.. تنقول هذا خينا شبع خبز.. والآن أصبحت أعذر من يحتج ولو كان على باطل حتى يتبين لي العكس ومن شهود ثقاة" أما صديقه فقال: والله حينما يأتون إلى الحي ويشرعون في تهديدينا تقول لي زوجتي، واش أنت راجل ولا امرأة.. لو كنت أنت امرأة دعني أمت الآن بين هؤلاء" ويضيف هذا الشخص المظلوم " كان لدي فقط 7 مليون جمعتها مدة سنوات واقترضت 5 ملايين واشتريت البيت.. أنا الآن أفضل الموت .. على الحياة.. السجن ليس حلا لمشكلتنا.. ما ذنبنا .. أريد من السلطات أن تشتري "مبيد الإنسان" وتنتهي من مشكلنا نهائيا؟".
كان المتضرران يتحدثان بلكنة شمالية ابتسمنا لها جميعا.. ابتسامة مذبوحة طبعا. هؤلاء السكان اتفقوا على قرار واحد مفاده التشبث بالأرض والحفاظ على العرض مهما كلفهم هذا القرار من تضحيات، وفي جميع الأحول سيظلون يشعرون بمرارة من ظلم مالكي وسائل الإنتاج والإكراه، الظلم هذه المرة لن تشعر به طبقة سياسية معينة ولا شخصيات لها اعتبار رمزي في البلد، بل الظلم نزل بوحشيته على القاع الاجتماعي مباشرة، وهذا ما اتضح من خلال عبارات ذلك الشاب الذي قال بأنه كان يستغرب أن يناضل أو يحتج المواطن الذي شبع خبزا برأيه البسيط، سيشعر هذا المتضرر ومعه الشباب أن المواطن في حاجة إلى وطن يحميه من ظلم ذوي القربى من إخوانه المواطنين من علية القوم، لن يحتاج هذا المتضرر من حي الأندلس أن يطالع الجرائد والمواقع الالكترونية ويتصفح المواقع الاجتماعية حتى يتعرف على طبيعة الثقافة المخزنية القاتلة لروح الإنسان وكيفية تمثله للقيم الإنسانية النبيلة التي تخلق أنواعا من التفاعل القائم على الأخذ والعطاء. بل كان الواقع المر أستاذه وطليعته التقدمية التي علمته ثقافة الشك والنقد فيما يجري حوله حينما أحس باستهدافه مباشرة في كرامته كإنسان أولا وأخيرا.
إن معاناة هؤلاء السكان ستصبح خميرة لأنواع من الكراهية والحقد على وطن يشعرون أن لا محل لهم فيه، وحينذاك سيخسر الجميع بعدما تنتفي الوسائط الاجتماعية التي تتكفل بتضميد جراحات الدهر، وآنذاك سيردد الجميع ما  قاله الشاعر العربي القديم :
                                عضنا الدهر بنابه .... يا ليت ما حل بنا به
حينها سيقول الظالمون: يا ليتنا كنا فيها قوامين بالعدل، ومتواصين بالحق! وحينذاك لن ينفع الظالمين ندامتهم على ما اقترفوه بحق الإنسان الذي عظمته الشرائع السماوية وشرفته المواثيق الكونية.
إن الثقافة المخزنية هي المسؤول الوحيد عن إقصاء الناس الشرفاء وتقريب الدجاجلة والأفاكين الذين يكرههم المواطن المغربي بشكل عام، لا فرق بين غنيه وفقيره، هؤلاء الأفاكون، وكما تشهد التجربة التونسية والمصرية هم سبب البلاء واصله، وحين نقول بأن الثقافة المخزنية هي المسؤول الوحيد عن هذه المأساة، فإننا نعني الثقافة التي يستمد منها النظام السياسي والاجتماعي جبروته وتسلطه، ولا نعني بها شخصا معينا ولا مؤسسة خاصة، والدليل في هذا أنه حين صرح ملك البلاد محمد السادس لصحيفة إسبانية بأن أحداث 16 ماي الأليمة عرفت تجاوزات، فلا أحد وإلى حدود الآن حاول فتح هذا الملف بالرغم من كثرة النداءات من قبل الحقوقيين والسياسيين داخل المغرب وخارجه، ومن يتابع الفيديوهات على شبكة النت ير حجم المعاناة التي يتجرعها مواطنون مظلومون لا حول لهم ولا قوة، لقد شاهد العالم قصة بوشتى الشارف وهو إنسان بسيط جدا ويتكلم بعفوية كيف يقص قصصه المؤلمة مع الثقافة المخزنية المتعفنة، لا أحد من المواطنين الحقيقيين يشك بأن ملف بليرج مطبوخ، وأن المعتقلين السياسيين مظلومون، ولكن الثقافة المخزنية المتعفنة عفنت المجتمع وجعلت الناس يكرهون المخزن حتى الأطفال منهم، فحين دخلت قوات الأمن لتفتيش بيت الأستاذ محمد الأمين الركالة عام 2007 وجدوا في بيت ابنه الطفل عمرالأمين الركالة قميص فريق المغرب الفاسي لكرة القدم وشعار فريق البارصا، الآن عمر الركالة يكره المخزن وأصبح مناضلا يكتب ضد المخزن، وبدأ القراء يتابعون مقالاته على صفحات "هسبريس".
وحين حاولت أن آخذ من الطفلة أميمة المرواني تصريحا في مسيرة 20 مارس، لم تستطع الحديث لأنها فضلا عن شعورها بالظلم فقد كانت أميمة منهكة بكثرة رفع الشعارات والمشي على الأقدام في يوم حار، أميمة لا يتعدى عمرها 14 سنة، سألتها فأجابتني بلغتها الواضحة سياسيا دون ما كياج مخزني، "نحن لا نثق في المخزن، المخزن لا ثقة فيه، الحق ينتزع ولا يمنح" ما هذا الكلام الذي نسمعه من هذه الطفلة، تقول لا ثقة في المخزن، هذه مقولة للبروفيسور المهدي المنجرة شافاه الله، هل تطالع أميمة كتب المنجرة؟ الواقع هو من علم أميمة الحقائق كما هي.
استدرت فوجدت امرأة تبكي بحرقة على زميلها في العمل الأستاذ محمد المرواني فك الله سراحه. وتصيح بأعلى صوتها : والله العظيم حت مظلوم هذا الرجل".  وفي نفس المسيرة وجدت امرأة مسنة، لقيتها في المسيرة ويا ليتني ما كنت ألقاها تمشي وقد أثقل الظلم ممشاها، إنه أم زميلنا عبد الحفيظ السريتي، بالكاد تمشي، امرأة مسنة، ما ذنبها يا ترى؟ ما ذنب الطفلة اميمة المرواني؟ ما ذنب الطفل عمر الركالة؟ ما ذنب المعتقلين السياسيين؟ ما ذنب سكان حي الأندلس؟ ما ذنب هذا الشعب؟
إنه الغباء المخزني يا صاحبي...!!
 ولكن للأسف على حساب حرية المظلومين وكرامتهم وشرفهم سمعتهم الطيبة، وحبهم لهذا الوطن !!
تصبحون على وطن....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق