Pages

السبت، 28 يناير 2012

زيدون الذي أحرقوه .


لم يكن الفتى الطيب يدري ، وهو يقفز من عل ، لكي يحضر الطعام لزملائه المعتصمين ، بملحقة وزارة التربية الوطنية بحي الليمون بالرباط، بسبب إقصائهم من محضر 20 يوليوز، وقد طال عليهم أمد الجوع ونالت عضته منهم منالا شديدا، بسبب الحصار التي ضربتهم عليه السلطات، حيث منعت عنهم الماء والخبز  والدواء !؟..... لم يكن يدري أن تلك الحركة النبيلة ستكون آخر عهده بهذه الحياة أو بهذا الزمن المغربي البئيس على الأصح ...
لم  يكن أحد ليقوم بذلك في حضوره، وهو من هو، في نكران الذات والخدمة والسعي في حوائج الناس...
بينما هو منطلق لتسلق السور حاملا بعض الطعام الذي التي رمت بها المجموعات الأخرى للأطر العليا المعطلة ومجموعات المجازين بالقرب من معتصمهم ، بينما هو منطلق وقد داهمته قوات القمع، إذا بزميله محمود الهواس يشعل النار في نفسه فهب لنجدته ، ناسيا أنه هو الاخر قد صب البنزين على جسده.
كان يلوح بكلتي يديه في محاولة يائسة عساه يطفئها، لكنها امتدت إليه ونشبت في  جسمه النحيف فانفلت من حرها يركض بجنون.... هكذا التهمت النيران تلك الروح الطيبة المرحة، وغيبت تلك الابتسامة الساحرة المتلألئة إلى الأبد.
زيدون الشاب الخلوق المتواضع، حاصل على شهادة الماجستر في القضاء والتوثيق، وحافظ لكتاب الله عز وجل، أثر رحيله في الجميع، وبكاه القريب والبعيد، وقد توافقت الشهادات في حفل تأبينه واتفقت على سمو أخلاقه وخصاله، ما جعله يتربع على عرش قلوب جميع زملائه وأصدقائه . 
   زيدون لم يحرق نفسه بل أحرقوه.
 الذين أحرقوه هم الذين أعطوا الأوامر بمنع الطعام والماء والدواء من الوصول إلى الأطر المعتصمة ...
الذين أحرقوه هم الذين أعطوا الأوامر بقمع المعطلين ، أثناء محاولتهم إطفاء النيران المشتعلة في الأجساد الطرية... وإن تعجب فعجب ما حكاه أحد زملائه في شريط مصور ، قال : طلبنا من رجال الإطفاء إسعافهم ، فقالوا : لا نستطيع  أن نتحرك بدون أوامر !...
هؤلاء ومن خلفهم هم الذين أحرقوه وأحرقوا الوطن من أقصاه إلى أقصاه، هم المسؤولون عن كل الفواجع التي حصلت، لم يكفهم نهب الوطن وسرقته ، والعبث بمستقبله، فراحوا يقتلون خيرة أبنائه ، مرة بشكل مباشر ، ومرة بشكل غير مباشر حينما  يدفعونهم إلى ذلك دفعا : من منا  يستطيع أن ينسى مشاهد عشرات الجثث  الهاربة من الوطن، التي كانت تلقي بها بحارنا بين الفينة والأخرى...  البارحة بالماء واليوم بالنار وغدا لا ندري بما وكيف سيقتلولنا ؟...
 وبعد كل الذي حدث، لم تجد بعض الأقلام المسمومة- كعادتها- أدني حرج في أن تنفث سمومها  في الجراح المثخنة، متناسية أن دورها هو الكشف أصل الداء وجذوره ، ومثلها فعل بعض السياسيين الخائفين على سلطة لا يملكون مدخلاتها ولا مخرجاتها، ومع ذلك يحتجون ويشجبون سعي البعض إلى تسييس ملف المعطلين ، وكأنه ليس مشكلا سياسيا بالدرجة الأولى ...  الذين يسمون أنفسهم علماء، هم أيضا انخرطوا في هذه اللعبة ، وقد أمروا أن يدوروا مع القرآن حيثما دار لا مع السلطان، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
رحل زيدون ، لكن ذكراه ستبقى خالدة وشاهدة على ظلم ذوي القربى، وقسا وتهم وفسادهم...
كان الله لأمه التي فجعوها في فلذة كبدها، وزوجته رفيقة دربه، وأحبته، المؤكد أن صرخاتهم ودعواتهم ستبقى لعنة تلاحق هذه المنظومة المخزنية الفاسدة حتى تذهب ريحها .
   رحمك الله من شهيد.
 (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) سورة هود    


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق