Pages

الخميس، 29 دجنبر 2011

بعدانسحاب العدل والاحسان....هل من دروس؟...

  "أخطر ما تواجهه أي مسيرة أن يضيع منها الهدف، لأنها في هذه الحالة ستكون معرضة للتيه والضياع..." فهمي هويدي


لقد شكل إعلان جماعة العدل والإحسان انسحابها من حركة 20 فبراير حدثا بارزا غطى على كل الأحداث الأخرى، بما فيها مهزلة تشكيل الحكومة التي أراد لها أصحاب الحل والعقد أن تطول  فصولها وتنشد إليها الأنظار، لإيهام الناس بأن أمرا ذي بال يحدث في البلد، ولن أخوض في أسباب الانسحاب ومبرراته، ولا التفسيرات والتحليلات التي رافقته، فقد قيل الكثير وسالت مداد غزيرة حوله، وذهبت في ذلك الآراء كل مذهب حتى اختلفت وتضاربت  ....وأيا كانت الأسباب والتفسيرات المقدمة بين يدي هذا  الانسحاب، فإن المؤكد أن الجماعة لن تغير موقفها من النظام المخزني المستبد، ولا من الحراك العام الذي يشهده البلد، وهذا ما ذهبت إليه أغلب التحليلات باستثناء تلك المسكونة بهوس المؤامرة والخيانة !... وهو ما أكدته أيضا قيادات الجماعة.
المهم الآن هو ما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من هذا الحدث ؟


                                  في الحاجة إلى الشارع

لقد كشف هذا الحدث عن حجم التطلعات والآمال التي كانت معلقة على الشارع وحركيته، حيث بدا للكثيرين طريقا للخلاص من عهود الفساد والاستبداد التي تضرب البلاد والعباد ، وحتى أولائك اللذين كانوا يتوجسون من هذا الخيار والمسار، أخيرا اعترفوا بجدواه في  الضغط على من السلطة لانتزاع الحقوق والمكاسب، وحق للناس ذلك: فكل التغييرات التي تحصل في المنطقة ، كان وراءها الشارع التي انفجر فجأة في وجوه الطغاة فسقط الأول والثاني والثالث والحبل على الجرار...
ولقد استمد الشارع مشروعيته من انسداد الأفق السياسي وامتناعه عن كل تغيير حقيقي . والمغرب ليس استثناء كما يحب البعض أ ن يردد دجلا وكذبا، فما يسمى بالمسار الإصلاحي على قزامته، ما كان ليرى النور لولا حركة 20 فبراير.
إن هذا التفاعل الكبير مع انسحاب العدل والإحسان من الحركة يترجم  في نهاية الأمر خوف الناس على حركية الشارع ومستقبله ، ويدل على ذلك حجم المقالات التي كتبت والنقاشات التي دارت راحها ولا تزال في المواقع الاجتماعية ...فغالبية الناس لا تثق في الإصلاحات المخزنية وتعتبرها احتواء للاحتجاجات وانحناء لعاصفتها الهوجاء إلى أن تمر بسلام ، وحتى الذين زكوا هذه الإصلاحات وامنوا بقدرتها على إحداث التغييرات اللازمة، ناشدوا الحركة  لكي تبقى في الشارع حتى تكون سندا لهم وعونا على خفافيش الظلام الرابضة في زوايا الحكم . طبعا الخروج كل أسبوع ليس نزهة كما يتصور البعض، بل هو مهمة شاقة ومكلفة ماديا ومعنويا وسياسيا، ولكي يستمر سنوات يحتاج الأمر قسمة التضحيات والمواقف وأشياء أخرى...


                         في الحاجة إلى تحديد الأهداف و ترتيب الأولويات


لأن غياب هذه الإستراتيجية، هو الذي أدى ما أدي إليه ، فلا يمكن تفسير مثلا موقف الحزب الاشتراكي الموحد، من العدل والإحسان إلا بخلل في تحديد أهداف وأولويات المرحلة،  ذلك أن الحزب في مؤتمره الأخير حذر الحركة من العدل والإحسان باعتبارها حركة أصولية لا تقل خطورة عن المخزن، رغم أن هدف الشارع المعلن، هو إسقاط المخزن وليس العدل والإحسان، وهو موقف لا يستقيم أخلاقيا ضد شريك ميداني نال النصيب الأوفر والأكبر من قمع السلطة وحصارها، وكان أولى به أن يتضامن معها، أو الأقل يتجنب إثارة الخلافات والخصومات الفكرية والعقائدية إلى حين توفر شروطها وأجوائها، حيث يمكن أن يكون لها معنى وجدوى.        

طبعا الحزب بنى موقفه هذا على  خلفيته الإيديولوجية، وهذا مكمن الداء، والوتر الحساس الذي كان يلعب عليه المخزن لتفجير الحركة ، ومن المؤكد أن انسحاب الجماعة هو أول "الغيث" فالذي حدث، سيجعل الطريق مسلوكة  أمام الطروحات والخيارات السياسية الأخرى المتباينة والمتباعدة، كي تتناوش الحركة فتحيلها إلى جسد متهالك لا ينفع ولا يضر، وهذا ما يتمناه إلى جانب المخزن أولائك الذين انخرطوا في الحركة – مع احتفاظهم بقدم راسخة بدار المخزن - 

إن الهدف الذي ينبغي أن  تتوجه إليه السهام وتتوحد ضده جهود الصادقين هو المخزن الذي طالما استفرد بالشعب، وعمل فيه قمعا وإهانة وإقصاء، بعيدا عن الصراعات الإيديولوجية العقيمة ومنطق الوصاية والأستاذية ، وكل تحوير للمعركة في اتجاه آخر، فهو مضيعة للوقت ، لأن ببساطة لا أحد بإمكانه صنع التغيير بمفرده ، وإلا فالعجز عن ذلك ، يعني ضيق أفق هذه التيارات وقادتها وفكرها ، فلا يرجى منها خير ، فكيف بها هي العاجزة عن تدبير تنسيق ميداني واختلاف محدود في الزمان والمكان ..أن تحكم دولة و تدبر علاقات متشابكة ومعقدة في الداخل والخارج؟
وعليه، فالذين يدعون اليوم، إلى جعل 20 فبراير حركة علمانية خالصة لهم من دون الناس، إنما يحفرون لها قبرا مظلما .
                            

                                        في الحاجة إلى العدل والإحسان

إن الذين يتحدثون عن الولادة الثانية للحركة بعد انسحاب الجماعة إنما يسخرون منها ومن نضالاتها ومعتقليها وشهدائها، والعجيب الغريب أن الذين يطلقون هذا الكلام، في غالبيتهم كانوا من ألد أعداء الحركة، فبعض المواقع الإخبارية والجرائد اليومية التي كانت طوال الشهور الماضية تكيل التهم وتروج الأباطيل والأراجيف ضد الحركة، اكتشفت فجأة فضائلها بدون العدل والإحسان.
إن هؤلاء الذين يقودون الحداثة من أنفها، آخر ما يهمهم هو الحركة ومستقبلها، وهم على كل حال لا يخفون عداءهم للعدل والإحسان.
بعيدا عن المكابرة وردود الأفعال المتشنجة، فإ ن العدل والإحسان كانت رقما مهما داخل الحركة والدليل الضجة الكبيرة  التي أثارها خروجها، التي ما كانت لتثار لو خرج أي طرف آخر، مع احترامنا لكل الأطراف وتقديرنا لها، كانت رقما ليس فقط من حيث العدد ، ولكن من حيث مساهماتها واقتراحاتها وروحها الوحدوية، ومرونتها السياسية والفكرية، لكن للأسف بعض الأطراف لم ترد التحية بمثلها، بل عمدت إلى الاستفزاز والابتزاز، وفاء لتلك الجثة المحنطة التي يسمونها الإيديولوجية.
لقد أعطت الجماعة الدليل تلو الدليل على سعة أفقها، وعلى حرصها على المصلحة العامة بشهادة الكثير من شركائها والمتابعين المنصفين لشأنها، وهي بذلك إنما تجسد عمليا دعواتها المتكررة  إلى ميثاق وحوار وطني لا يستثني أحدا، وذلك ليس بغريب عن منهاجها وفكرها ومن يطلع على أدبياتها وما كتبه الأستاذ عبد السلام ياسين سواء حول المداخل السياسية الممكنة( انظر كتاب العدل: الإسلاميون والحكم ) أو مشروعها التغييري الشامل، سيفاجأ ببعد نظر وفكر حصيف، ومرونة سياسية كبيرة ، لكن يبدو أن  البعض يصر على أن يحكم عليها من خلال  ما تكتبه الصحف الصفراء أو في أحسن الأحوال من خلال كتابات الإسلاميين المشارقة الذين ماتوا في القرن الماضي -رحمة الله على الجميع- كأن الأستاذ عبد السلام ياسين لم يكتب ما يربو عن ثلاثين كتابا
ورغم كل حملات التشويه والتشهير التي طالتها، من أجل استفزازها والتأثير على سيرها، فقد ظلت وفية لمبادئها ومنهاجها في العمل ، وآخر هذه الحملات، البيان الذي صدر مؤخرا ضدها، باسم المجازين المجازين ، وهو في حقيقة الأمر بيان سياسيين تائهين. عوض أن يرسلوا الرسائل المشفرة إلى من يهمهم الأمر، يرسلونها إلى المعطلين ومن خلالهم إلى طرف سياسي لا سلطة له ولا قرار. يا حسرة على العباد !   

      

                                             على سبيل الختام

أعتقد أن أي حركة شعبية  لكي تبقى من الشعب وإلى الشعب  ينبغي لها أن تنفتح على كل مكوناته و تياراته دون إقصاء ولا تنقيص ، وأن ترتبط  بهويته وثقافته وإلا سيلفظها في آخر الأمر، لان الشعب  مثل الماء يدفع عن نفسه إذا ما مس في كيانه، و أمام الحركة اليوم فرصة لمراجعة أوراقها، لكي تبقى مفتوحة في وجه الجميع بمن فيهم العدل والإحسان التي ما تزال تذكرها بخير، وقد نقلت مسيرات الأحد الأخير على موقعها دون عقدة، على العموم الحركة قدمت الشئ الكثير للبلد، ولن تموت  باعتبارها فكرة تتوق للانعتاق من ربقة الاستبداد والفساد إلى الحرية والكرامة والعدالة . ولله الأمر من قبل ومن بعد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق