Pages

الثلاثاء، 27 شتنبر 2011

حزب العدالة والتنمية إلى أين ؟

من المعلوم أن حزب العدالة والتنمية ظهر إلى الوجود بعد مخاض طويل ، حيث أنه لم يدخل اللعبة السياسية الرسمية إلا من خلال بوابة حزب الدكتور عبد الكريم الخطيب "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، بانخراط عدد من أطر وأعضاء حركة التوحيد والإصلاح في الحزب ، بعدما رفضت السلطة في سنة 1992 منح الترخيص  ل " حزب التجديد الوطني " التابع لحركة الإصلاح والتجديد التي ستعرف فيما بعد باسم حركة التوحيد والإصلاح على إثر اندماجها مع"رابطة المستقبل الإسلامي" ، بسبب خلفيته الإسلامية ...ورغم قبول إخوان بنكيران بهذا المخرج الضيق على حساب حقهم الطبيعي في تأسيس حزب وفق رؤيتهم الفكرية والفلسفية... ورغم أنهم دخلوا اللعبة من باب الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله الذي يعتبر من أنصار النظام وأقربائه ، فإن المخزن ظل يتوجس منهم ويتحرش بهم في السر والعلن حتى اليوم ، بالمقابل ظل موقف الحزب مهادنا مداهنا يقدم التنازلات واحدة تلوا الأخرى دون نتائج تذكر . فهل يصمد الحزب أمام سياسة الاستنزاف هاته؟ ما الذي يجعل الحزب عاجزا عن الانتفاضة في وجه المخزن ؟ ألا يمكن اعتبار اللحظة الراهنة لحظة فارقة في عمر الحزب تستدعي مراجعة الأوراق والاختيارات ؟ .  
جدير بالذكر أن قرار تأسيس حزب سياسي والمشاركة السياسة الذي اتخذه الإخوان أتى في سياق اقتناع الإسلاميين بجدوى التغيير من داخل المؤسسات السياسية القائمة، في المشرق وتونس والجزائر... حيث  كانوا مشدودين إلى خياراتهم وتوجهاتهم . وليس خافيا أن السلطة إنما سمحت لهم بهذا الهامش وهي في عز سطوتها  لحاجة في نفسها، فهي أرادت تحقيق التوازن في الساحة التي تتحرك فيها القوى التقليدية بمفردها وبالتالي دفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات والقبول بشروط اللعبة كما تريدها هي، والتي تقوم أساسا على التحكم في المشهد السياسي ، حيث تخفض من تشاء وترفع من تشاء من الأحزاب وقت ما تشاء وكيفما تشاء معتمدة على آلياتها المعهودة التي تبدأ باختراقها بواسطة مخبرين وموالين لها ولا تنتهي بإنشاء أحزاب إدارية عشية الانتخابات وفي اليوم الموالي تكتسح صناديق الاقتراع بقدرة قادر !...
وفي غمرة سعي الحزب إلى إثبات صدق نواياه في التغيير في إطار المؤسسات القائمة ودفع التهم الموجهة إليه من كل اتجاه ، في غمرة هذه الخطة الدفاعية نسي أنه يواجه خصما مجربا –إنه المخزن الذي أسقط من قبله أحزابا كان يقام لها ويقعد- لا يقر له قرار حتى يسيطر على خصمه بشكل كامل . نسي أن ينتقل إلى حالة الهجوم بين الفينة والأخرى وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم كما يقال . وهكذا قدم الأستاذ أحمد الريسوني الاستقالة من رئاسة حركة التوحيد والإصلاح تحت ضغط المخزن على خلفية تصريحه حول أهلية "أمير المؤمنين" الملك محمد السادس للفتوى في سنة 2003 وفي نفس السنة استقال الأستاذ مصطفى الرميد من رئاسة الفريق البرلماني للحزب في سياق أحداث 16 ماي التي حمل الحزب مسؤوليتها المعنوية ، ناهيك عن شكاويه المتكررة من تدخل الدولة في الانتخابات أو حيادها السلبي أثناء مراقبتها وكذا تدخلها في تشكيل التحالفات لصالح حزب صديق الملك ...
ورغم كل هذه المضايقات ، فإن الحزب لم يتخذ أي موقف حازم ضد السلطة ولو على سبيل المناورة كما أنه لم يستغل الأوراق الكثيرة التي كانت بين يديه من أجل انتزاع حقوقه المشروعة ، وكان في كل مرة يلام فيها على انحناءاته الأبدية لعواصف المخزن المتوالية يتذرع بكونه يحرص على المصلحة الوطنية كأن من مصلحة الوطن أن تكون له أحزابا ضعيفة ومتحكم فيها ولا تملك مصيرها بيدها. الأغرب من هذا كله هو دفاع قيادات الحزب المستميت عن حكاية الانتقال الديمقراطي بالمغرب بمشاركة الإسلاميين، كما هو شأن رئيس المجلس الوطني للحزب السيد سعد الدين العثماني حين شارك بورقة في منتدى الجزيرة بقطر حول "الإسلاميون في المغرب و الانتقال الديمقراطي" لقد أخذته الحماسة وهو يتحدث عن هذه التجربة حتى خيل للبعض أن الرجل بصدد عرض التجربة التركية لا المغربية!  لكن ما أن تحل فترة الانتخابات حتى ترتفع أصوات الحزب بالشكوى من السلطة وتدخلاتها السافرة لصالح أطراف معينة ، حيث يكثر الحديث  عن الانتكاسة والتراجع وجيوب مقاومة الإصلاح...
ولقد كان الحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفه المغرب والمنطقة ككل فرصة ذهبية للحزب لكي يمارس دوره كاملا كأي حزب سياسي معترف به انسجاما مع الزمن السياسي الجديد إلا أنه أبى إلا أن يبقى على حالته القديمة مع القاعدين الجامدين على إيقاع رتيب قد مله الجميع وانفض القوم من حوله وهكذا تخلف إخوان بنكيران عن حركة 20 فبراير التي كانت مطالبها مشروعة ومعقولة . وجاء الإصلاح الدستوري المزعوم فبشروا بفتوحاته في السياسة والاقتصاد والاجتماع مع المبشرين ، ومع ما شاب عملية الاستفتاء من خروقات جسيمة وما رافقها من ظواهر شاذة مثل استعانة السلطة بالمجرمين والمنحرفين جنبا إلى جنب مع كثير من الفاسدين في عالم السياسة والثقافة والصحافة للترويج للاستفتاء والاعتداء على شباب 20 فبراير  معنويا وجسديا ، فإن الحزب أبى إلا أن يكون إلى جانب شلة السوء هاته  ب"نعم"وإن أخذ مسافة منها في الميدان . أكثر من ذلك ، قام يتيم فكتب مقالا فيه الكثير من التشفي عن : مأزق المعارضين للدستور في مواجهة نتائج الاستفتاء في جريدة التجديد ونشر في هبة بريس بتاريخ 09 - 07 - 2011
إن التخبط الذي يعيشه الحزب اليوم، لا يمكن أن تخطئه العين فهو على أبواب انتخابات ، حتى الآن ، تحضر تحضيرا سيئا ولا يبدو أن المخزن سيقلع عن عادته القديمة في تدبير نتائجها ، خاصة بعدما أيقن أن شركاءه في اللعبة شركاء متشاكسون وأن حد سقفهم هو الشكوى العاجزة ، فما عساه فاعل إذن ؟ أينسحب ويقاطع هذه الانتخابات التي وصف الأستاذ عبد العلي حامي الدين في مقال له بموقع هيسبريس  بتاريخ المشاركة فيها بأنها نوع من العبث السياسي أم يمضي في هذه اللعبة حتى النهاية مع يقينه أنه مسير نحو المجهول لا يعلم ما وراءه إلا الله عز وجل ؟ . إلا أن هذه الحالة لا تؤثر على شعبيته وصورته على المستوى الخارجي فقط ، بل انعكاسها على الجبهة الداخلية أخطر وأكثر ، ذلك أن شبيبة الحزب و الكثير من الكوادر لم تعد تخفي امتعاضها من كثير من مواقف الحزب ، ناهيك عن بروز أخلاقيات بعيدة عن قيم التضحية والنضال الجدير بكل حزب يحترم نفسه أن ينأى بنفسه عنها ، فحين يصبح هم بعض المناضلين الوحيد هو احتلال المناصب وجني المكاسب فالسلام على النضال في الأولين والآخرين
إن تفاعل هذه الأسباب كلها وانغلاق الأفق السياسي – الرسمي الشكلي - وامتناعه عن كل تغيير حقيقي، مقابل نجاح الخيار الذي راهن على الشارع ، الذي يبدو جذابا هذه الأيام ويمارس إغراء لا يقاوم على كل من ضاقت عليه مؤسسات المستبدين ، قد يؤدي إلى افتراق الحزب إلى فرقتين أو أكثر كل واحدة فرحة بما لديها ، ويعيد بالتالي قصة الاتحاد الاشتراكي لكن هذه المرة داخل الإسلاميين. ومن صار على الدرب وصل .       

الخميس، 8 شتنبر 2011

جدلية الاستبداد والفساد ؟


يسهب الكثير  من الفرقاء السياسيين والمثقفين في الحديث عن الفساد الذي يضرب البلاد على جميع المستويات ... وكيف أصبح منظما ومهيكلا ، بحيث أن لا أحد يستطيع أن يمسه بسوء ! وقد ضمن لنفسه موطئ قدم في مراكز صناعة القرار ، وتمكن من مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .... لكن حينما يتعلق الأمر بالاستبداد السياسي ، فإنهم يتحفظون على استعمال هذا التوصيف ويستعيضون عنه بتوصيفات أخرى إما جهلا وبلادة سياسة ، وإما مهادنة وطلبا للسلامة.... وأيا كانت النوايا فإن السلوك السياسي الرسمي لا يسعف على تصنيفه بعيدا عن منظومة الاستبداد ، فما  الاستبداد وما الفساد وما حقيقة تلازمها ؟ وما موقعهما بالمغرب ؟
من المعلوم أن حينما نتكلم عن الاستبداد ، فإن اللفظ ينصرف تلقائيا إلى نوع من الحكم الذي يرتكز على احتكار السلطة في يد واحدة ، حيث لا فصل بين السلطات ولا معارضة حقيقية ولا إعلام حر ومستقل ولا مجتمع مدني قوي .... وكل ما هنالك قائد ملهم وزعيم أوحد وهو أبو الجميع ، وتعد الأجهزة الأمنية والمخابراتية في هذه الحالة الوسيلة المثلى لبسط الحكم ومراقبة أحوال البلاد والعباد ، وعلى هامشها نجد أحزاب ضعيفة سواء الحاكمة منها أو المعارضة ، توظفها السلطة لتسويق وهم التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة...بالإضافة إلى مجتمع مدني تابع خاضع وإعلام مأجور أو في أحسن الاحوال محاصر مقهور... وكل من سولت له نفسه شق عصا الطاعة وخرق قواعد اللعبة فإنه يعرض نفسه لغضب الحاكم وعقابه !...
ولكل حاكم مستبد ملأ وحاشية، وفيهم بتجلى الوجه الأخر للاستبداد ، وهو الفساد ، حيث يطلق الحاكم يدهم في شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية...التي يديرونهاعلى أساس الزبونية والرشوة والقرابة .... وعن طريقهم يتناسل الفساد آخذا طريقه نزولا إل أصغر موظف في الدولة وفي هذا السياق يقول  إتيين دو لابويسي في كتابه  "العبودية المختارة" :  "أربعة أو خمسة يبقون الطاغية في مكانه ويشدون البلد كله إلى مقود العبودية، يتقربون أو يقربهم إليه، ليكونوا شركاء جرائمه، وقواد شهوته ولذته.....  ، وينتفع في كنفهم ستمائة يفسدهم الستة مثلما أفسدوا الطاغية. ثم هؤلاء الستمائة يفسدون معهم ستة آلاف تابع، يوكلون إليهم مناصب الدولة والتصرف في الأموال، ..... ، فإذا الذين ربحوا من الطغيان يعادون في النهاية من يؤثرون الحرية. فما إن يستبد ملك حتى يلتف عليه حثالة المملكة وسقطها، ليصبحوا أنفسهم طغاة مصغرين في ظل الطاغية الكبير"
و في حالة المغرب ، و بناء على التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات فإنه الفساد يخترق جل القطاعات المهمة في البلاد( فساد في القطاعات السامية، فساد في القطاعات الحكومية، فساد في القطاعات المنتخبة ، فساد في الأحزاب... )  وإذا كانت هذه النتائج قد توصل إليها مجلس رسمي تابع للدولة وأنشئ أساسا لتزيين صورتها في الداخل والخارج ، فهذا يعني فيما يعني أن ما خفي أعظم !.....
وعلى كل حال ، فالجميع يعرف ، أن الفساد في المغرب أصبح صنعة لها أهلها وحماتها.... وهذا التغول للفساد والمفسدين ، إن دل على شئ فإنما يدل على أننا لسنا في دولة قانون ومؤسسات ، وإلا كيف يعجز القضاء عن تحريك المتابعات القضائية ضد من أسماهم المجلس الأعلى للحسابات ؟ وأنى له أن يفعل وهو جزء من بنية الاستبداد ، ورب قائل يقول إن الدول الديموقراطية هي الأخرى تعرف فسادا ، هذا صحيح لكنه محدود في الزمان والمكان ، وليس ظاهرة عامة وتيار ممتد، ويتعامل معه بقوة القانون والرأي العام ويفضح أصحابه على رؤوس الاشهاد .
 إن المعادلة بسيطة وواضحة فحيثما وجدت الفساد يصول ويجول ويجلب بخيله ورجله على الناس دون أن يستطيع أحد ردعه ، فاعلم أن لا ديموقراطية هناك وحيث لا ديموقراطية  فثمة استبداد ، ولا يغرنك أحد بشعارات مزيفة من قبيل التحول الديموقراطي والانتقال الديموقراطي فلكل منهما شروط و إشارات
وعليه فإننا نرى أن ما كان بإمكان الفساد أن يعشش ويفرخ في مأمن تام ، لولا بنية الاستبداد الحاضنة والساهرة عليه ، وهذا ليس تحامل أو تطاول على النظام السياسي في المغرب ، ويكفي المرء أن يرجع إلى الدستور الجديد لتبين الحقيقة ، باعتباره أسمى وثيقة في البلاد ، حيث أن ما منحه الحاكم من صلاحيات لممثلي الشعب بيده اليمنى أخذه بيده اليسرى ، فكل طرق السلطة تؤدي إليه كما تتشعب عنه  ،هذا على مستوى النص الدستوري ، أما على مستوى الواقع والسلوك الرسمي ، فالخبر ما ترى لا ما تسمع
ونحن إذا نقرن الفساد بالاستبداد ، فإننا لم نأت ببدعة أو منكر من القول ، بل هي النتيجة نفسها التي خلص إليها الكثير من المفكرين والفلاسفة وعلى رأسهم ابن خلدون في مقدمته الشهيرة والكواكبي في كتابه  " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" و صاحب كتاب "العبودية المختارة" و شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتاويه قبل سبعة قرون ونيف . إنهما صنوان وحيثما حل أحدهما قال له الآخر خذني معك
إن الذين يخوضون معارك حامية ضد الفساد بكل  أنواعه دون أن يعمدوا إلى أصله وجذوره فيقطعونها أو يحاولون ذاك عل الأقل ، إنما يضيعون جهودهم في معارك خاسرة مسبقا ، ولن تلبث حروبهم  الدونكيشوتية هاته ضد طواحين المخزن الجبارة ، أن تعود عليهم بالوبال والخسران ، الأسوء من ذلك كله ، أنهم يقدمون  خدمة جليلة للفساد وهم يمدون في عمره ، بما يوهمون أنفسهم وغيرهم في الداخل والخارج أن الأزمة في المغرب أزمة حكامة وليست أزمة حكم ، و الضربة التي لا تقتل العدو تقويه  فمتى تستوعبوا الدرس ؟