Pages

الخميس، 29 مارس 2012

من يهدد هيبة الدولة ؟

مرة بعد أخرى يتأكد أن السلطة السياسية في هذا البلد، لا تريد أن ترجع عن غيها وضلالها الذي ليس هو إلا الإصرار على المضي في طريق الفساد والاستبداد إلى نهايته، ذلك ما تنبئ عنه الأحداث المتوالية التي شهد تها مدن المغرب المختلفة بدء من طنجة مرورا بتازة وسلا ومراكش وإميضر وصولا إلى بني بوعياش وإمزورن ...
نفس المنطق الامني الضارب بجذوره في أعماق التقاليد المخزنية العريقة، هو الذي تم اللجوء إليه لمعالجة هذه الاحتجاجات، رغم أن الزمن غير الزمن والناس غير الناس، فلم نكن في حاجة للإعلام الرسمي لكي يخبرنا بما يجري، فقد تكفلت المواقع الاجتماعية بالامر، خاصة موقع الفايسبوك، المطلوب رقم واحد لدى الطغاة لما يشكله من خطر على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، حيث أتيح لنا متابعة الأحداث لحظة بلحظة، لحظات القمع والتنكيل والاهانة والاستفزاز وكل السلوكات المنحطة التي يفترض فيمن يمثلون جهاز الدولة أن ينأوا بأنفسهم عنها.
رغم كل الشعارات التي رفعت والخطب التي دبجت حول الاصلاح السياسي، حيث "الدستور الجديد" والانتخابات المبكرة ، فإن الواقع يكشف كل يوم عن بؤس حال البلاد والعباد، وبالتالي يكشف عن غياب إرادة سياسية حقيقية للخروج بالبلد من هذا النفق المظلم، فلا يبقى إلا أن نجزم أن الإصلاحات المزعومة لا تعدو أن تكون مناورة مكشوفة تبغي ربح الوقت وإيهام الواهمين بأن شيئا ذي بال يحدث في المغرب.
ليس صدفة أن المدن المنتفضة في أغلبها تنتمي إلى المغرب العميق أو المغرب غير النافع بلغة المستعمر الاجنبي … حيث التهميش والإقصاء، أو ما يطلق عليه بالتعبير الدارج الجامع ب"الحكرة" إنه المجال الذي شهد مقاومة باسلة ضد الاستعمار، حيث دفع الكثير من أجل الاستقلال والتحرر، لكن الذين فاوضوا باسمه لم يكونوا في مستوى المسؤولية واللحظة التاريخية، فكانت النتيجة مغربا لا يسع كل أبنائه بثقافتهم وهويتهم وحقوقهم وأحلامهم بقدر ما كان مغربا على هوى ومنطق المستعمر، والمفاوضين الضعفاء والانتهازيين، لذلك بقيت سياسته راسخة وثابتة في فلسفة إدارة شؤون البلاد والعباد- إلا أن الفرق بينهما هو أن المستعمر كان يفعل دلك بغرض تسهيل عملية نهب الثروات بينما يفعل ذلك بنو جلدتنا من أجل تسويق مغرب الواجهة حيث "الاوراش الكبرى" و"البنيات التحية المتقدمة" وبالتالي النظام – الحليف – المستقر المتطور؟- ويمكن اعتبار نعت الخطابي للاستقلال ب "الاحتقلال" بالتوصيف الامثل المعبر عن مغرب ما بعد "إيكس ليبان".


إن هذه الاحتجاجات تبدو ككرة الثلج وهي تتدحرج خلال المدن والبلدات المهمشة، ولا يحتمل أن تتوقف وتنتهي، مادامت السلطات لم تعد لهل حتى الآن غير القمع والحصار جنبا إلى جنب مع التعتيم والتشويه الإعلامي، بل قد تأخذ أبعادا أكثر خطورة، فليس كل مرة تسلم الجرة.
لست أريد هنا محاسبة الحكومة على ما يجري، وهي العاجزة عن كشف راتب مدرب كرة قدم فاشل، لكن لا بأس من مناقشتها في بعض مزاعمها التي تدفع بها لتبرير ما يحدث، من ذلك: استرجاع هيبة الدولة، فهل يتم لها ذلك باستعمال العنف والاعتقال وإشاعة الخوف والهلع وسط الاحياء السكنية؟

إن الذين يهددون هيبة الدولة هم الذين يحكمون بالعسف والاكراه، وينهبون ثروات البلاد ما ظهر وما بطن، ويستخفون بعقول الناس وهويتهم، ولا يخجلون بعد ذلك أن يرقصوا على جراحهم الغائرة، الذي يهدد هيبة الدولة هو التفاوت الطبقي المرعب بين أغنياء يلعبون بالملايير، وفقراء بالكاد يحصلون على قوت يومهم الممزوج بكثير من الذل والمهانة. من ذلك أيضا زعمها أن العنف لا يطال إلا الاحتجاجات غير السلمية، طيب فلم تقمع احتجاجات المعطلين وهي سلمية؟ لم قمعت الوقفة التضامنية مع بني عياش بالرباط وكانت سلمية وغيرهما من الاحتجاجات...
ثم كيف يؤاخذ الكل بجريرة البعض، فلا يمكن بأي حال تبرير حصار واقتحام أحياء بكاملها بناء على سلوك معزول لا تعرف خلفياته ولا من وراءه هذا من جهة، ومن جهة أخرى الضرورات تقدر بقدرها كما يقول الفقهاء، فالإفراط الكبير في استعمال القوة والاعتداء على الممتلكات العامة إتلافا وحرقا ونهبا دليل على أن الامور تدبر بليل.
من الواضح أن المخزن يريد أن يقول بطريقة أو بأخرى: إن ذلك الذي تسمونه الربيع العربي قد انتهى ولم يعد من اللائق أن يسمع صوت في الساحة غير صوته هو الذي يعلو ولا يعلى عليه...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق