Pages

الأربعاء، 3 غشت 2011

في الحاجة إلى فهم رسالة مانديلا إلى الثوار العرب

إن هذه الرسالة لو لم تكن لها من الأهمية سوى كون كاتبها هو" نيلسون روهلالا مانديلا" لكفاها ذلك ، فالرجل ليس شخصا عاديا ، بل هو صانع واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني في قارة  لا صوت  فيها يعلو على صوت السلاح والموت والتدمير والإبادات الجماعية ...لم يغريه كل ذلك  واختار لنفسه وشعبه طريقا غير تلك الطريق ، طريق المصالحة الوطنية الشاملة ، وهو اختيار ينم عن حصافة سياسية و بعد نظر وخلق إنساني رفيع .
لذلك نعتبر الوقوف عند هذه  الرسالة أمرا مهما بالنسبة لمن يهمه أمر إعادة ة بناء الدولة في كل من قطري مصر وتونس وغيرهما من الأقطار التي ربما قد تختار طريقا غير طريقهما ، وفي اعتقادي فإن هذه الرسالة قد تضمنت الكثير من الأفكار التي يمكن اعتمادها كخارطة طريق بين يدي الثوار للاهتداء بها في ظلمات هذه المرحلة الصعبة والحرجة من عمر الثورة .
البراغماتية الثورية
صحيح أن الثورة تعني التغيير الجذري و القطيعة الكلية  مع الماضي بأفكاره ورموزه السياسية والاقتصادية والثقافية ....  ولكن، بما أن الثورات العربية لم تشبه الثورات السابقة عليها ، والتي كان لها رأس  بينما هي بدونه ، ينبغي انسجاما مع هذا الخصوصية- التي يجب أن تستصحبها وتستحضرها- أن تتميز  معالجتها الثورية  بالمرونة لكثير من القضايا الشائكة والمعقدة .
ولعل من المفيد  الوقوف عند سؤال ال "كيف"  الذي طرحه مانديلا ( كيف نقطع مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلا)
من المعلوم أن إرث الظلم ثقيل وشامل لكل مناحي الحياة ، حتى  غدا هو القاعدة ، بينما العدل استثناء وفلتة من فلتات تاريخ  دولة الفساد والاستبداد، التي جثمت  بكلكلها على صدر الشعوب الثائرة ، أخيرا، طوال الفترة الماضية بأيامها ولياليها الحالكات. إن إرثا بهذا الحجم يستوجب استنفار كل الجهود المخلصة والصادقة مع نكران الذات والصمود والجلد، مع الحذر من  الالتفات إلى صغائر الأمور أو  الدخول في المعارك الهامشية التي يشعلها البعض لصرف الأنظار عن القضايا الجوهرية ، ومن عرف ما قصد هان عليه ما وجد .  
يعترف نيلسون مانديلا ( بأن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم لان الهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي )  لذلك فلا مناص من الحفاظ على وحدة تلك الكتلة الأولى التي قامت بالثورة ، أعني الشباب والتنظيمات السياسية وهيئات المجتمع المدني والعلماء والمثقفين... للأسف ما نلاحظه اليوم في مصر وتونس لا يبعث على الارتياح، حيث استعجل شركاء الثورة الاستقطاب السياسي والفرز الإيديولوجي بينما الثورة لم تضع أوزارها بعد، وهذا من شأنه أن يفت في عضدها وأن يفقدها الكثير من أنصارها في  الداخل والخارج ، في الوقت التي هي في أمس الحاجة إلى كل هؤلاء ، بل وإلى أولئك الذين يتوجس الثوار منهم خيفة ، بحجة أنهم كانوا من أنصار النظام السابق ، مع أنه من الصعب القفز على حضورهم ، نظرا لتمنكهم من مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والثفافية والإعلامية  والعلاقات الخارجية ، وعليه فالتعامل معهم بنوع من البرغماتية ضرورة تستوجبها المصلحة الوطنية والحاجة الثورية ، ثم إنه لا يمكن جمع هؤلاء ورميهم في البحر، فهم جزء من الوطن في النهاية، ينبغي أن يتمتعوا بكافة الحقوق ، وإلا فإن اضطهادهم   يعني التأسيس لديكتاتورية جديدة على أنقاض الديكتاتورية المنهارة . أحسن طريقة للتعامل معهم هي استيعابهم ودمجهم في نسيج الثورة وأهدافها ، دون أن يعني هذا أنه تأسيس لسياسة الإفلات من العقاب ، فالذين أوغلوا في دماء الشعب وبارزوه بالتقتيل والتنكيل والاستخفاف -اقصد رؤوس الاستبداد والفساد - لا مفر من محاكمتهم محاكمة عادلة ، حتى تسكن النفوس و تخمد الحقائد والضغائن ، وتسود أجواء الثقة بين الناس ويطمئنوا لمسار الثورة ، أيضا لا يمكن التفريط في أموال الشعب المنهوبة مهما كان نفوذ الجهة الناهبة ، عدا هذين الأمرين الذي ينبغي حسمهما بحزم وعزم،  فالثورة  تسع الجميع وتستوعب الجميع ، مادامت تنظر إلى المستقبل بتحدياته وانتظاراته وآماله لا إلى الماضي.
 مبدأ العفو
 (اليوم أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم:"اذهبوا فأنتم الطلقاء")
 هذا خطاب موجه لوجدان الأمة ، المتعلق بالرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، كما هو متعلق  بهذه القصة الجميلة ، التي جسد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم قيمة عظمى من قيم التسامح وهي قيمة العفو عند المقدرة  عن من ظلمك. لقد انتظر أهل مكة الذين أخرجوا رسول الله وحاولوا قتله وآذوه وآذوا أصحابه وطردوهم من بيوتهم وأرضهم وحاربوهم ، انتظروا جميعا بعد فتح مكة أن يقتص منهم ويرد الصاع صاعين ولكن الكريم لا يفعل إلا ما يليق به ، فلما فتح الله عليه مكة قال لقريش:"ما تظنون أنى فاعل بكم؟ "قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لى ولكم".
هي دعوة صريحة لاستلهام الصفحات المشرقة من تاريخ المسلمين ، والتي انطفأت مبكرا، للأسف، بعدما نزا أغيلمة قريش على الحكم وجعلوه حكرا على العائلة والسلالة... أمامنا فرصة من ذهب لإرساء مفهوم جديد للثورة غير الذي كان سائدا ، حيث الفتك بالخصوم ونصب المشانق وإيقاد المحارق ...كل أهداف الثورة  ومشاريعها الكبيرة .  
يجب أن يتعلم الناس أن الثورة تضحيات وعطاء..أنها تطلع إلى الأفضل والأحسن.. ، أنها كرامة وعدالة وحرية...


       


             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق